بقلم : أيمن يوسف
أَشْكُرُ إِلَهِي عِنْدَ كُلِّ ذِكْرِي إِيَّاكُمْ دَائِمًا فِي كُلِّ أَدْعِيَتِي، مُقَدِّماً الطِّلْبَةَ لأَجْلِ جَمِيعِكُمْ بِفَرَحٍ ( في 1: 3 ، 4)
كتب الرسول بولس رسالة فيلبي وهو في السجن. وعندما يكون الإنسان سجينًا تكون الذكريات بالنسبة له أمرًا ثمينًا ومؤثرًا، خاصة عندما يتذكر الأحباء الذين لهم إعزاز خاص ومكانة في قلبه، لكن بسبب السجن قد افترق عنهم. وهذا أيضًا أمر مؤلم عندما يُحرَم مؤمن من الشركة الأخوية المنعشة، فاكتناف الأصدقاء له يُعدّ إحسانًا وامتيازًا. ولكن من أجل المسيح احتمل الرسول بولس – برضى وشكر – هذا الألم النفسي. ولكن أ ليس من تعويض له وهو وحيد في زنزانة رطبة مظلمة؟
نعم، دائمًا يذكر أن له إلهه. فحتى إن حُرم من الإخوة الأحباء حينًا، لكنه لن يُحرَم مِن إلهه الحبيب لحظة واحدة.
لم يكن الرسول بولس فقط خادمًا نشطًا، وكارزًا غيورًا، ومعلمًا موهوبًا، وراعيًا حنونًا، لكنه كان أيضًا رجل صلاة، مجاهدًا كل حينٍ بالصلوات، من أجل جميع القديسين، في جميع الكنائس. وهناك خطورة كبيرة على الخادم الذي ينشغل بالخدمة أكثر من الصلاة. التواصل مع الرب هو الذي يُعطي الحس المرهف لسماع صوت السَيِّد الذي نخدمه. والصلاة هي التي تُعمّق محبتنا للرب وللنفوس الغالية. الصلاة هي التي تُجدد الطاقات، والصلاة هي التي تُذكرنا باحتياجنا الدائم أن نستند على نعمة الله.
وإذ يتذكَّر الرسول القديسين في فيلبي، يشكر إلهه ويُصلي من أجل جميعهم بفرح ( في 1: 3 ، 4). هذه أول مرة يُذكر فيها الفرح في رسالة الفرح المسيحي. أي نوع من الرجال كان بولس هذا؟ يفرح من أجل الآخرين، رغم أنه مُقيَّد وسجين!
نعم، يفرح لأن قلبه قد انتعش وهو يتذكَّر أولاده الأحباء؛ جميع القديسين في فيلبي. يفرح لأن تعبه في الرب لم يكن باطلاً. إنه فرح ممتزج بالشكر في الصلاة من أجل شعب الرب الذين ينمون ويتقدمون إلى الأفضل. فرح الحاصد بالثمر الجيد والحلو بعد تعب وكدّ الحرث والزرع. إنها فرحة الأب المحب بأولاده الناجحين والمخلَّصين، مثل فرح الرسول يوحنا الذي قال عنه: «ليس لي فرحٌ أعظم من هذا: أن أسمع عن أولادي أنهم يسلكون بالحق» (3يو4). فتقدمهم ونضوجهم واجتهادهم أبهج قلب ذلك الخادم الأمين. فالنعمة التي خلَّصتهم لن تفارقهم، وعمل الروح القدس كان واضحًا فيهم.