بقلم : مارسيل رجاء

قد يكون أحد مفاهيم الشجاعة او علي الاقل من خبرتي الشخصية هي أن تقوم بعمل شئ انت تعلم جيدا انه لا يعجب ولا يروق للناس وأنك ستواجه انتقادات وذلك ليس لأنك تخشي رأي الناس فيك لكن لأنك أنت شخصيا حاربت مع نفسك و مع معتقداتك وما تربيت عليه ومع ما يعلمه المجتمع من حولك وبعد تلك المناقشات والتفكير وصلت الي قرارك ان تفعل الأمر وانت مازلت تصارع ومع ذلك تقوم به ..

وتبدأ الصراعات الخارجية وانت لم تنته بعد من صراعاتك الداخلية وبالرغم من ذلك تواجه الصراعات الخارجية بشجاعة وكأنك لم و لا تعاني أو تصارع ، وتدافع عن ما تفعله دون أن تعبر أو تذكر صراعاتك الداخلية إلا مع أقلاء ممن يستطيعون فهم ذلك ..

أتذكر مثال لذلك من الكتاب المقدس (موسي) فأظن أن عبارة (بالإيمان موسى لما كبر أبى أن يدعى ابن ابنة فرعون، مفضلا بالأحرى أن يذل مع شعب الله). كان خلفها الكثير من الصراع و النقاشات الداخلية: هل أترك القصر والغني والحرية و أفضل تعليم وحياة في ذلك الوقت مع شعب غريب! واذهب لأكون عبدا مع شعبي !! أم أظل و أحاول أن انصفهم متي تيسرت الظروف ! وماذا عن ابن ابنة فرعون التي أنقذتني وأحبتني بالحق واعتبرتني ابنها وبنيت عليا الكثير من الآمال والأحلام ، هل يهون عليا كل ذلك و أكون متبلد المشاعر وأكسر قلبها وهي لم تؤذيني في شئ !!

صراع ربما دام شهور او سنين وفي النهاية قرر بشجاعة ان يترك العز في بيت فرعون ويلتحق بشعبه في الذل بعد أن حسب حسبته الصحيحة ليجد الكفة الرابحة هي الحرية من الخطية و الإيمان والغني الروحي والأمور الأبدية وليس الوقتية المادية ( على أن يكون له تمتع وقتي بالخطية، حاسبا عار المسيح غنى أعظم من خزائن مصر، لأنه كان ينظر إلى المجازاة )

وبدأت صراعاته الخارجية و ربما لم يكن قد انتهي بعد من صراعاته الداخلية بين ما يفعله بالايمان وبين ما يظهر أنه المنطق والعيان .. ثم يضيف تلك العبارة – ( بالإيمان ترك مصر غير خائف من غضب الملك،لأنه تشدد، كأنه يَرى من لا يُرى ) – التي تظهر انها عكس ما حدث ، فما حدث هو أن موسي هرب من غضب فرعون ، ولكن ذلك يبين ما كان يدور بداخله أنه كان متشددا وغير خائف و ذلك لأنه تحلي بالشجاعة وكان قد صارع داخليا قبل ان يتعرض لذلك الصراع الخارجي الشرس.. وذلك لأنه كان يمتلك رؤية وكان يَري من لا يُري ..